إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
الآداب والأخلاق الشرعية
17389 مشاهدة
خاتمة

تبين بهذا العرض أن الإسلام يهدف إلى جمع الكلمة، ونشر المحبة بين المسلمين وإخراجهم من الضغائن والعداوات والبغضاء ونحوها ، فإن لم يفعلوا ذلك نقص حظهم من الإيمان، وزادت العداوة بينهم، وقل التماسك بينهم.
فكلما كان المسلمون متماسكين قويت كلمتهم ، إذا كان علماء الأمة وعامتهم وطلبتهم، وصغارهم وكبارهم؛ يقدّر بعضهم بعضا ، ويوقر بعضهم بعضا ، فماذا تكون حالتهم؟
وعلماء هذه البلاد -والحمد لله- وسكانها من طلاب العلم والعبّاد وعامة الناس كلهم والحمد لله على عقيدة التوحيد، التي هي إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بلّغه وفيما جاء عنه، وهم على عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات، ليس بينهم اختلاف فيما يظهر والحمد لله؛ وهم على عقيدة واحدة في الإيمان، وفي القرآن، وفي الأوامر والنواهي، وفي محبة الصحابة، وآل محمد وأهل البيت وغيرهم.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التخاذل؟ ولماذا هذا التخالف؟ ولماذا هذا التحاسد؟ ولماذا هذا التضاد وهذا الاضطراب الذي يُلاحظ من البعض؟ لا شك أنه مكيدة من أعداء الله، ومن أعداء الإسلام، يريدون أن يفرّقوا بين علماء أهل السنة! فإذا افترقت كلمتهم وتضادت، وصار كل منهم له وجه خاص، قال تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [البقرة:148] ولكل منهم حكم، وطريقة خاصة!! تفرقت حينئذ كلمتهم، ولم تبق لهم شوكة، وكان ذلك سببا لبعدهم وعدم تنفيذ الأوامر التي يُراد تنفيذها.
 ونحن نحسن الظن بعلمائنا، وطلابنا وشبابنا، كلهم -والحمد لله- ونعرف أنهم مخلصون إن شاء الله في طلب العلم، وفي عبادتهم، لا يريدون من طلب العلم إلا التفقه في الدين والعمل والدعوة إليه، ولا يريدون بالعمل إلا وجه الله والدار الآخرة ، هذا هو ظننا، وهو إن شاء الله صواب وموافق في جميع من نعرفه من العلماء والعُبّاد.
فإذا تأدبنا بالآداب الشرعية التي أدّبنا بها الإسلام زالت عنا هذه المخالفات وهذه الاضطرابات التي نسمعها، وأصبح المسلمون إخوة كما أمرهم الله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103] ؛ فإنهم يجتمعون على تنفيذ أوامر الله.
نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يؤلِّف بين قلوب المسلمين، وأن يجمع كلمتهم، وأن يردهم إلى الحق ردا جميلا ، وأن يريهم الحق حقا ويرزقهم اتّباعه، والباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه.
ونسأله أن يزيل ما بينهم من البغضاء والحقد والشنآن، وأن يجعلهم إخوة متحابين في ذات الله،متبادلين المحبة في ذاته، وأن ينصرهم على أعدائهم، ويقويهم ويقوي كلمتهم، وأن يثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.